في ذكرى استشهاده

في ذكرى استشهاده.. المعاقون: مسيرة الشيخ "الياسين"
منهج حياة جدير بالإقتداء والتمثل

غزة ـ المركز الفلسطيني للإعلام
ينظر الشعب الفلسطيني بأسره إلى الشيخ أحمد ياسين على أنه شيخ الأمة الذي لم يدافع عنها فحسب بل استطاع أن يزلزل الكيان الصهيوني، ولكن فئة المعاقين التي تعاني من ظروف صعبة في ظل عدم توفير العديد من الاحتياجات لها تنظر له بعين أخرى، فهي لا ترى فيه فقط الرجل الذي أفنى حياته في الذود عن تراب وطنه، بل باعتباره شمعة تاريخية ستبقى مضيئة في درب هذه الفئة المهمشة لتمنح أصحابها الثقة العميقة بأن الإعاقة التي تمثل قاسماً مشتركاً بين المعاقين والشيخ لا يمكن أن تقف في وجه الإنسان لتحقيق أهداف وإنجازات قد يعجز عنها الأشخاص العاديين، حيث أصبح شعارهم"يداي المبتورتان، ساقاي القعيدتان، كرسي المتحرك لا لن يضايقني، فإعاقتي لن تمنعني، وصوتكم لن يردعني".

لو تمثل المعاقون مسيرة "الياسين"
يعتبر خالد أبو زيد (معاق شلل أطفال) والذي يعمل رئيساً للمركز الوطني للتأهيل المجتمعي أن أحمد ياسين باق في الذاكرة نظراً لشخصيته المتميزة في إيمانه وعطائه وإنجازاته ومقاومته، فرغم الشلل الرباعي إلا أن عطاءه كان يفوق مئات بل آلاف الرجال الأسوياء.

ويضيف أبو زيد أن إعجاب المعاقين بالشيخ ازداد بعد استشهاده حيث أن إعاقته من أشد الإعاقات الموجودة، وقال: "حقاً نتمنى لو يرتقي المعاقون ولو بجزء يسير مما كان يمتاز به الشيخ من عطاءات ونضالات وقدرات وإيمان، فلو استطاعوا ذلك سنقول عندئذ إن فئة المعاقين لم تعد من المعاقين".
ويضيف بصوت خافت وهو يعود بذاكرته إلى سنين مضت "التقيت بالشيخ الياسين مرتين، فلاحظت أن جلسة الشيخ رحمة الله عليه كانت تتسم بإعطاء من حوله هالة روحانية من خلال نور مسلط على الركن الذي يجلس فيه، كما أن حديثه الممتع كان يشد الانتباه من خلال ثقته بنفسه وثقافته الواسعة وإيمانه العميق، هذا الحضور القوي كان يدفع الجالس أمامه إلى الإنصات لكل همسة ينطق بها".

وعن العوامل التي ساعدت الشيخ في تشكيل شخصيته رغم الإعاقة، قال:"حسب وجهة نظري اعتقد أن التربية التي نشأ عليها والثقافة التي امتاز بها والفطنة واستقراء التاريخ والمستقبل كلها عوامل دعت أن يكون من الشخصيات القيادية النادرة الموجودة في العالم العربي والإسلامي"..

وفي سؤال له حول مشاركة الشيخ في فعاليات المعاقين، أكد أن المؤسسة التي يشرف عليها كانت تدعو الشيخ للمشاركة في مهرجانات المعاقين واحتفالاتهم، وقال: "مع الأسف لم يحصل لنا الشرف أن حضر لأي اجتماع بل كان يأتي مندوبون عنه، وكنا نلتمس له العذر لعدم مشاركته لعدة أسباب أهمها الحذر الأمني المطلوب له في تحركاته، ومن جانب آخر فإن هموم الوطن والعبء الملقى على عاتقه كبير جداً، وبالتالي هذا لم يكن يسمح له بالحضور، وهناك سبب آخر ثانوي أن من لديهم الكفاءة والقدرة القيادية والثقة ومن هم في مكانة الشيخ لم ولن يشعروا للحظة بأنهم معاقون، فهموم المعاقين تهم هؤلاء ولكنهم يحملون هم المجتمع بأسره دون التركيز على فئة بعينها".

وعبر أبو زيد عن شعوره بالصدمة والمفاجأة لحظة تلقيه نبأ اغتيال الشيخ ياسين، فقد كانت جريمة الاغتيال دليلاً جديداً على مدى وحشية ودموية العدو الصهيوني الذي حشد طائراته الحربية لشن هجوم صاروخي على كرسي متحرك يجلس عليه شخص لا يستطيع أن يتحرك فيه إلا لسانه، فعظمة الشيخ وقوته تكمن في رهبة الأعداء الذين يملكون أكبر قوة في المنطقة والعالم، إلا أنهم لم يكونوا قادرين على مواجهة الشيخ القعيد إلا من خلال طائراتهم وصورايخهم..
ويعتبر أبو زيد أن استشهاد "الياسين" يمثل دعماً معنوياً للمعاقين، ونوعاً من العلاج والتأهيل لهم، فهو من خلال لسانه استطاع أن يؤسس حركة مقاومة إسلامية عظيمة وأن يعطي ويجاهد ويستشهد في سبيل الله والوطن، مما يجعله يستحق أن يكون قدوة لكل المناضلين.

ويضيف أبو زيد أنه في كثير من الخطابات والمؤتمرات التي يشارك فيها يفخر كثيراً بمسيرة الشيخ أحمد ياسين، باعتبار نموذجاً لإرادة المعاق الفلسطيني، مشيراً إلى أنه "في 1996م و1997م قام المركز بتنظيم مهرجانات لتكريم المميزين من المعاقين، وكان الشيخ من ضمن الشخصيات المختارة في اليوم العالمي للمعاق، وكم كنا نتمنى أن يكون معنا في ذلك اليوم".

ووجه "أبو زيد" في الذكرى الثانية لاستشهاد الشيخ "الياسين" كلمة للمعاقين، قال فيها: إن الظروف المحيطة صعبة على كل الشعب الفلسطيني، ولكن يجب تغيير الواقع بنضالنا وأيدينا وعطائنا، وبتفائلنا بالمستقبل، تماماً كما كان الشيخ الياسين" وأضاف: "حضروا أنفسكم للمرحلة القادمة بعد تشكيل الحكومة الجديدة للمطالبة بتطبيق قانونكم من خلال محاولة اللقاء مع رئيس الوزراء ووزير الشؤون الاجتماعية والصحة من أجل حياة أفضل تلمسوها على أرض الواقع وليس على أرض الأحلام".

مسيرة "الياسين" منهج حياة جدير بالإقتداء والتمثل
د.إسماعيل الفرا والذي أصيب خلال "انتفاضة الأقصى" بشلل نصفي، يصف مشاعره تجاه الشيخ أحمد ياسين قائلاً: "الشيخ الياسين بالنسية لي كفلسطيني أولاً وكمعاق ثانياً رمز للصمود والتحدي والإرادة والعطاء المستمر فهو خلق جيلا قادرا على العطاء دون أن يتأثر بإصابته"، ويتابع حديثه عن الشيخ قائلاً:"لم يدق باب هذا الرجل إنسان سوي كان أم معاق إلا وخرج مجبور الخاطر، فلو أردنا أن نطبق في حياتنا اليومية ما كان ينتهجه الشيخ الياسين في حياته، معنى ذلك أننا عرفنا كيف ننتقل إلى الدار الآخرة ونحن مطمئني البال".

ويؤكد الفرا أن أكثر ما أثار إعجابه في الشيخ هو تواضعه والدليل على ذلك بيته الذي عاش فيه رغم أنه مؤسس حركة يشار إليها بالبنان، فقد عجز الأسوياء أن يفعلوا ما فعله، يكفي أنه استطاع أن يؤسس قوة عظيمة ترهب الاحتلال الصهيوني وتجعله يلملم قواته وقطعان مستوطنيه ويفر من قطاع غزة في جنح الظلام..
ويشير إلى أنه يحرص في ورش العمل التي يعقدها للمعاقين والتي كان آخرها في أحد المدارس في خانيونس عن "أسباب الإعاقة والآثار المترتبة عليها"، وكذلك في الخطب التي يلقيها في المساجد، التطرق إلى عطاء الشيخ، هذا العطاء الذي لم يتوقف حتى في الأيام الأخيرة من حياته، ويقول "يكفي أن نقول لذوي الاحتياجات الخاصة إن الشيخ على الرغم من إعاقته ومرضه لم ينقطع عن صلاة الفجر بل إنه في يوم استشهاده كان صائماً وفي المسجد".
واعتبر أن السبب في قدرته على قهر الصعاب يعود بالدرجة الأولى إلى إيمانه بالله حيث كان يضع نصب عينيه أن البيت دار عمر والآخرة دار مستقر، فوهب نفسه لدينه ووطنه".

ويوضح الفرا أنه قبل يصاب بالإعاقة كان الشيخ أحمد ياسين بالنسبة له قدوة في الإيمان والإرادة والصبر والمثابرة، ويضيف أنه بعد أن أصيب بالإعاقة أصبحت مسيرة الشيخ تمثل له منهج حياة كريمة وعزيزة وجديرة بالإقتداء والتمثل، منوهاً بأنه كناشط في الاتحاد العام للمعاقين في خانيونس كان يدفع المعاقين للذهاب إلى بيت الشيخ من أجل أن يمنحهم بشحناته الإيمانية.
وحول أهم الصفات التي استرعت انتباه الفرا أثناء جلوسه مع الشيخ ياسين، قال: "ناهيك عن صبره، فقد كان يتميز بسرعة البديهة، وبكلمات الود المعطرة بالطيبة والتلقائية التي كان ينثرها على ضيوفه، الأمر الذي كان يترك أثراً إيجابياً واضحاً في نفسية محدثيه، وكان يتميز بحسن الإصغاء للآخرين".

مواقف نبيلة
أما المعاق عوني مطر رئيس الاتحاد العام للمعاقين في غزة فيقول عن الشيخ ياسين: "لقد كنا نطلب كاتحاد من جهات مختلفة المساعدة لتغطية التكلفة المادية للأدوات المساعدة للمعاق، وكان من بينهم الشيخ كناشط في المجتمع المدني، فلم يكن الشيخ يتأخر عن تقديم المطلوب".
وذكر مطر أحد مواقف "الياسين" النبيلة عندما أرسل الاتحاد للشيخ كتاباً رسمياً مفاده أن هناك حاجة إلى أموال لبناء مقر للاتحاد تماماً كما أرسل للرئيس الراحل عرفات فأجاب الشيخ أحمد ياسين: " أنا ليس بمقدوري أن أساهم في بناء مقر فكما ترون أن وضعي المادي ليس على ما يرام، ولكن ما أستطيع فعله هو التبرع لأجرة المقر بشكل شخصي بمبلغ وقدره 1000دولار".

ويوضح مطر أن وقت الشيخ لم يكن يسمح للتنسيق معه حول تطبيق القانون أو المطالبة بحقوق المعاقين لأن هناك الكثير من الأعباء التي كان على الشيخ متابعتها.
ويؤكد مطر أنه بكى بكاء شديداً عندما تلقى نبأ استشهاد الشيخ ياسين.. ويضيف أنه جاب بكرسيه المتحرك شوارع غزة في جنازة الشيخ الياسين الضخمة وانتظر حتى تم نقله إلى مثواه الأخير، حيث شارك المعاقون في المسيرات الحاشدة التي خرجت إلى بيت الشيخ استنكاراً لجريمة الاغتيال".

» صـــور / رسم جدارية بغزة في ذكرى يوم الارض