*الذكرى تستنطق كل وجع فاغراً فاه، وتنبش كل معالم الغياب الحضور، وترفس الجبن المتلفع أثيابه الخانعة فينا، وتهرب فيه رجولة المعاني، ومثلي ميت المشاعر خائر الهمة يتلَّوى من حزن الشرايين المتخثرة بدم الهاربين، والخجل من حروف عمالقة بالذكرى المتجددة مع الشهيق مع الزفير.
*أواه... ما أسرع الأيام تجري، تحملنا بعيدا في أعماق أعوام مرَّت، تعود بي لأواخر تموز المشؤوم، وحديث شوق مع أبي بكر جمال على الهاتف يواسيني بجراح المرض، وأنه سيكون ضيفي عصرا، ين يقول " زحلق" الآن أبا موسى...وكيف أزحلق، قال كما أبو مجاهد جمال سليم يعالج نفسه من أوجاع الركبتين ويهبط درج الحديد " يسحل " ثم يقول، هناك هاتف ضروري يبدو أنه سؤال صحفي، فكانت آخر كلماته قبل أن يرد على هاتف الموت والحديث الأخير.
*يا جمالنا الجمل... مثلي لا يقوى على زيارة مرقدك، فالعذر العذر، لكنَّ العهد ظل العهد، والقدر كان غالبا ورزقت بطفلة اسميتها " ابتهال" تيمنا ببكرك الطيب، ويكنيها الجميع أم جمال منصور، حتى أن الشامخة أم بكر تباهي بها وتقول " هذه حماتي " يا للشرف العظيم.
*نضال وخالد وأحمد وعمر وجميل، كلما التقينا فأنت "إكسير الحديث " واسمك وسجاياك وذكراك العنوان، وبعض ألواح الزينكو في غرفة الرعيل لم تغب عن الذاكرة، والصغيرة التي تحاول عبثا النطق باسمها "ثندث " أي سندس براءتها هي هي لا زال لها نصيب.
*أوتذكر يا روح الروح، أم روحي أمك الرؤوم كانت لا تنسى الأحد وتذكر كؤوس الشاي لا تخطيء وتحفظ الأسماء عن ظهر قلب، كلما لقيت المعتصم أحمل لها السلامات والتحايا وأعض على شفتي، قد رحلت، وأنا أطوي الوفاء على الوفاء.
*موسى الكبير على جمر العهد يناغي وجعه النازف، ويتلو آيات الشهادة نهرا يجري بشفاه ترتجف يا حبيب، وأصابعي تسارع تغلق النشيد " ومن ذا يجيب حزن المآذن حين تنادي صباحا عليكم..ولا يستجيب...فلا ترتحل من هنا يا حبيب."
*شقيق الروح واسمح لي أُسلم على شيبة تلمع بالنور والنار، وروح تحلق هناك بعيدا بالأنوار، يا أبا مجاهد عذرا ما نسينا أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى يا شهيد... أصابعي تضغط على الهاتف دونما وعي وعلى آخر إسماعيل هنية، أبُثُهُ النبأ المأساة، فيقول " هاأنا أقرأ في كتابه للشيخ الياسين فصلا من كتباه الشهيد " نعي الشهداء " فإذا النبأ النعي يسدل الستار على الخاتمة " أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون.
*ترن في أذني قهقة المزاح اللطيف منك وتعود بي الذكريات لمرج الزهور زهورا، وروعة التوجيهات يوم النشيد، ولطف النصح في فكرة خبر أو تقرير مكتوب للإعلام، ويدك الحانية تمسح على شعر صغيري تلميذا في مدرستك، من ينسى ؟.
*أستذكر الذكريات على وقع الدماء والأشلاء في قانا وأطراف الأطفال تفضخ الخانعين التوابع الذيول، وجدران القلوب في غزة تشكوا إلى الله، وأحبابكم يرفضون أن يكونوا بصمة في سفر الهزيمة، وصوت المقاومة يعلو صوت الانكسار، وفكر المستقبل النور يتجاوز" الأسرلة والأمركة والدولرة " ودعوة الخير تسافر جذورها في الأحزان لتضحك التيجان فيا لضحتكم وأنتم تمرحون وتسرحون.
* فهيم دوابشة ... محمد البيشاوي... عثمان قطناني... عمر منصور... سلام عليكم طبتم... هنيئا وهنيئا وهنيئا، هل تذكرون ؟ فهيم يوم قلت لي ما شاء الله عنك ! بيشاوي أبا أيمن أو تذكر كل صباح تتصل بي لتسمع الدعاء " ستر الله عليك في الدنيا والآخرة" وأسمع فرحة روحك عبر الهواء، عثمان يوم أن طلبت أن أدعو لك أن يرضيك الذي أرضى عياش وقلت أسامحك براتبي الشهري وواصل دعاءك، عمر وأنت تقول " أهلا بالذهب العتيق " وذهبي يتضاءل أمام أحجارك الكريمة وجنديتك التي تفوق كل الحدود.
* أحبابكم على طريق ذات الشوكة ورياح التغيير تواصل سيرها تعض على جرح الذات وتعلن المسار بقوة، أراكم في عيون صغيرتي ابتهال أم جمال، وفي صدح البلابل، وفي قاعات النجاح، وعلى بوابات الإسلامية، وأتنهد قرب المكان وأخفض الرأس خجلا أمام العمالقة، هذا طريقي إن صدقت محبتي، وجرت على تلك الدموع دماء، والله غالب.