أبو أنس أبـو أنـس العسقلاني
الجنس :
عدد المساهمات : 435 نقاط : 1348 تاريخ الميلاد : 09/02/1993 تاريخ التسجيل : 31/07/2009 العمر : 31 مكان السكن : غزة - فلسطين العمل/الترفيه : طالب جامعي المزاج : رايق
| موضوع: صـــــــــــــابر والمــــخـــــيـــم لأكرم النجار الثلاثاء يوليو 19, 2011 2:32 pm | |
| صـــــــــــــابر والمــــخـــــيـــم
لم يكن باستطاعة صابر ان يشرح كل تفاصيل حياته ، كان باستطاعته ان يبكي وبدون محاولة ، لكنه قبل عملية البكاء ، كان يرفع ساعده الأيمن ويبدأ بفرك عيونه اما ساعده الأيسر فلا ينسى وظيفته حيث يرتفع ويبدأ في حك ذقنه ، واحيانا ، تنزلق الى عنقه لتعبث بأحد ازرار قميصه .. هكذا عبث الزمان بحياة صابر وتغير المكان وصابر لم ينم ، ينتظر صباحه الجديد كل شيء تغير الا ثيابه ، ينظر اليها وكيف اجتمعت بهذه الطريقة الغريبة ، قميص ( البيجاما) وبنطال والده والحذاء اللعين الذي يعض اسفل قدمه ولا يدري من اين حصل عليه ، اسئلة كثيرة كانت تدور في رأسه الى ان انتصر عليه النوم ، فقيراً كان حزيناً غريباً حتى في نومه ولم يكن بعيداً صباحه الجديد ، استيقظ على يد والدته وهي تهز من كتفه وتهمس قرب اذنه .: صابر ، صابر ينهض وليس كأي طفل ينهض من نومه ، كانت قد اعدت له الكيس المطرز ذا الحمالة الطويلة وبداخله (( كتاب الله )) وحين ارتدى صابر ثيابه وعلق الكيس المطرز على كتفه وتمسك به ادرك انه الفرصة الاخيرة لوالدته وهناك في الزاوية كان ينتظره بقايا رغيف تجمعت اسراب النمل حوله ، تأمل صابر في حركة النمل وفي الرغيف المدد كالقتيل الى ان تحولت نظرته الى والدته، ثم نظر الى نفسه فضغط بقبضته على حمالة كيسه وانطلق صابر والاسئلة لم تزل تحاصره كحصار النمل لبقايا رغيفه .. لم يبتعد ادار رأسه كعقرب الساعة تجاه بوابة التي خرج منها كانت والدته بعينيها التي تمركز بهما الشفق الوردي ، ربما قالت شيئاً وصابر بحذائه وثيابه وكيسه يمخر الشوارع ويحدق في الاسفلت في الجدران في الاعمدة التي تصطف على جانبي الطريق في كل شيء وكل الاشياء تتأمل فيه والاسئلة لم تزل تحاصره ، حتى دخل بوابة المدرسة المفتوحة على مصرعيها ، مئات من الطلاب يتوزعون في فنائها الضيق والجميع يتحدث في صوت مرتفع ولم يستطع صابر ان يسمع جملة واحدة ، لا يدري اين يتجه ، كان مميزا من رأسه حتى حذائه ، الطفل الوحيد الذي يحمل كيساً فوق كتفه ، حاول جاهداً ان يصغي لحديثهم ، لكن صراخ بائع الحلوى واصوات الباعة كانت تسيطر على اذنه ، ورائحة الثياب الجديدة اخذت تتسلل الى انفه فيتسلل بنظراته الى ثيابه ورائحة (( الفونيق )) المشعة منها والاسئلة لم تزل تحاصره . وفجأة ينطلق الصوت من سماعة ثبتت على احدى الأعمدة المطلة على الساحة ، يأمر الطلاب بالدخول الى صفوفهم ، يبدأ صوت الطلاب بالانخفاض حتى يتلاشى تماماً وصابر جاء موقعه آخر مقعد تحولت الانظار اليه وتلتها القهقهات والكلمات احدهم يقول (( جاي ينام )) والآخر علق بكلمات ساخرة على الكيس ، والثالث والرابع الى ان دخل الاستاذ وكالعادة في القيام والجلوس
طاف الاستاذ بنظراته على كل الوجوه الى ان اخذ يتنقل بينهم باعثاً نظرات فاحصة على بعضهم فاخذ يسألهم واحداً واحداً
اسمك ، عمرك ، بلدك ، وصابر يعرف تماماً اجوبة هذه الاسئلة .. اخذ يرددها داخل نفسه نعم يعرفها وحين نهض صابر بعد ان وضع الكيس امامه وكأنه يقسم على هذا الزمن الرديء وفي لحظة واحدة ، تغيرت الاسئلة ، بعد ان اقترب منه الاستاذ وقال له : هل غسلت يديك ؟ ولماذا ترتدي هذا القميص ؟ ومن قص لك شعرك ؟ ومن ولماذا الى آخر هذه الاسئلة وصابر يعرف جيداً ان صابون وكالة الغوث لا يفيد ويعرف ايضاً ان لا بديل لهذه الثياب وعاد الاستاذ وقال له : من اية مدينة على الخارطة انت ؟ وهنا لم يتعثر صابر فقال : انا من المخيم يا استاذ ولم يكن باستطاعة صابر ان يشرح لاستاذه كل تفاصيل حياته فكانت ثيابه ووجهه تقول كل التفاصيل الدقيقة ولا يحتاج صابر الى اسئلة ، كان يريد جواباً على اسئلته ولم يزل النمل يحاصر بقايا رغيفه ، وصابر يعود متمسكا بحمالة كيسه ، يقرأ لوالدته ما جاء في اللحظة الاولى من خروجه ، لتقول له : هل قرأت يا صابر ؟
- لا .... لكنهم قرأوا على ثيابي ووجهي تاريخ الهجرة فتعثرت بالاسئلة ، وحين عدت ُ .. داهمني حلم وأنا بين الاعمدة والاسفلت ، اني اجمع الغيم وانت تعصرينه من بين اصابعك حليباً ينساب كنهر حتى يدخل ابواب مخيمنا - خيرا ان شاء الله يا صابر - حضنته ، بكت كعادتها ، شاهد النمل ينسحب ويتسع الرغيف وعلى بوابته تحط حمامة تحمل سنبلة . يتمسك صابر بالجدار ويقول ما اجمل حلم الفقراء ، وما اصعب عشق الفقراء ..................................... اكرم
| |
|